Posted inرياضة

دانية عقيل: “لم أكن في سباقٍ مع المنافسين، بل كنت في سباقٍ مع نفسي”

تتحدّث لنا دانية عقيل عن سباقات الراليات والصدفة والاجتهاد والاستمرارية

هي بطلة كأس العالم لراليات الباها الصحراوية فئة T3، ومع هذا لم تتوقّع دانية أن تكون رياضة سباق السيارات مهنتها رغم حبها الكبير للسيارات والقيادة منذ الصغر. إلا أنّ القدر كان له كلمة أخرى.

بدأت القصة عند استضافة السعودية لرالي داكار، وكان الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية يشجّع النساء على المشاركة في السباقات، وتم دعوة دانية إلى المشاركة في رالي باها الشرقية، وللصدفة كان هذا السباق جولة من سباق كأس العالم لراليات الباها الصحراوية. تقول دانية: “كنت من بين 10 متسابقين في هذا السباق، والمتسابقة الوحيدة عن فئة T3. وكان هدفي نظراً لأنه سباقي الأول، أن أصل فقط إلى خط النهاية، وهذا بالضبط ما حدث واستطعت اكتساب 25 نقطة من نقاط البطولة”.


بعدها شاركت دانية في سباق الأردن في البطولة ذاتها، وتكرر ما حدث في سباق الشرقية، إذ كانت دانية المتسابقة الوحيدة عن فئة T3، واستطاعت إنهاء السباق بنجاح واكتساب 25 نقطة أخرى. “شجعني بعدها المتسابقون والاتحاد السعودي على الاستمرار والمنافسة في كأس العالم نظراً للظروف التي جاءت في صالحي والنقاط التي استطعت كسبها”. إذ يتم اختيار الرابح في كأس العالم بحسب عدد النقاط التي حصل عليها في مجموع الجولات، وهذا ما قامت به.


اشتركت دانية في سباقات المجر وبولندا وإيطاليا، وركّزت في كل من هذه السباقات على نفس الموضوع، وهو إنهاء السباق وحصد النقاط، “كانت تلك مشاركتي الأولى، وكنت مقتنعةً تماماً أنّه من غير الممكن بالنسبة لي أن أنافس المتسابقين المخضرمين بالسرعة العالية. لذلك وضعت كامل جهدي في كلّ السباقات للوصول إلى خط النهاية بغض النظر عن السرعة”.
واستطاعت الفوز بالمركز الثاني في سباق المجر والمركز الثالث في سباق بولندا والمركز الرابع في سباق إيطاليا. وبفضل هذه المراكز استطاعت جمع النقاط الكافية للفوز بكأس العالم عن فئة T3.
تقول دانية إنّ الفوز جاء بفضل الاستمرارية والصبر والاجتهاد لتحقيق الهدف الوحيد، وهو إنهاء السباق. لم يكن هدفها هو الفوز بالمركز الأول، بل كان طموحها إنهاء السباقات والتعلّم والتدرّب والتطوّر في هذه الرياضة. “لم أكن في سباق مع المنافسين، بل كنت في سباق مع نفسي”.


مسار السباق في الراليات يكون في طرقات غير معروفة في أنحاء البلد المستضيف، وهنا تكمن الصعوبة، فمثلاً في السعودية أو الأردن كان التحدي هو في القيادة في الصحراء، أمّا في سباق المجر فكانت الصخور والحجارة والمطبات والهضاب هي التحدي الأكبر، في حين كانت الطرقات الزلقة والتحكّم بالمركبة ليس بالأمر السهل في بولندا، وكان أكبر تحدي في سباق إيطاليا هو القيادة في الليل وسط الضباب وكانت الرؤية شبه معدومة. “جميع التحديات تأتي من الطبيعة ومن إحدى أسس هذه الرياضة هي التكيّف مع الأجواء الطبيعية والتحديات التي تطرحها وكيفية تجاوزها”.


اللياقة البدنية العالية ضرورية في هذه الرياضة، وتحافظ عليها دانية من خلال تمارين الكارديو سواء ركوب الدراجات الهوائية أم الجري أو السباحة وما إلى ذلك. كما أنّ تمارين اليوغا تفيد جداً في تعزيز مرونة الجسم، إذ أنّ سيارة السباق في حركة دائمة والمسار متنوع ومتعرّج، وبالتالي على الجسم أن يكون مرناً للتكيّف مع هذا. “أستعد للسباق ذهنياً عبر عدم توقع أي شي من المسار، أحاول قدر الإمكان أن يكون ذهني صافياً وأن أتجنّب تطبيق توقعاتي للمسار قبل السباق”. فبتجنّب التفكير المسبق والتوقع، تكون ردة الفعل أسرع وأكثر واقعية.


وعن العقبات التي واجهتها في السباقات، وعرفت أنّها لن تستطيع تجاوزها، تتذكّر دانية موقفاً واجهته في سباق الأردن، حين لم تستطع رؤية ما وراء الكثبان الرملية وكان المسار مليئاً بالصخور، وقررت الالتفاف حوله، وعند تجاوزه رأت أنّ قرارها كان صحيحاً، “في بعض الأحيان يجب الاستماع إلى هذا الإحساس الذي يقول لك انتظري”.


تعلّمت دانية من هذه الرياضة أنّ هناك أشياء تستطيع التحكّم بها بنفسها، وأشياء أخرى خارجة عن سيطرتها. “المسار مثلاً، ليس لدي فكرة عمّا ينتظرني فيه، ويجب أن أكون مستعدة دائماً وجاهزة لمواجهة التحديات والعقبات”. تعلمت دانية أيضاً أنّ بعض الأشياء التي نتخيلها صعبة، قد تكون سهلة في نهاية المطاف. “تغيّر هذه الرياضة من طريقتك في التفكير حول قدراتك وقوة الانسان الداخلية والعزيمة”. علمتها الرياضة أيضاً كيفية التعامل مع الآخرين ووضع ثقتها بهم “هذه الرياضة اجتماعية إلى حدٍ كبير، عند التعامل مع الناس ووضع ثقتك بهم بطريقة تؤثر على أمان حياتك، هذه حقيقة تغيّر من شخصيتك وتجعلك اجتماعية أكثر وحذرة بقدرٍ أكبر”.


تلقت دانية الكثير من الدعم من وزارة الرياضة والاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية، وتم دعوتها للقيادة في سباق داكار وتم تقديم الكثير من النصائح والإرشادات لها وتشجيعها لإكمال السباق والمشاركة في الجولات الأوروبية. “من دون هذا الدعم لم أكن لأصل لما وصلت إليه”.


أمّا حكايتها مع رخصة القيادة فأيضاً كان للقدر كلمة فيها، فقد استمرت بالذهاب إلى القسم وسؤالهم عن طريقة التسجيل لمدة شهرين، “ومن كثرة ترددي استطعت أخذ أول موعد في جدة”، وبعدها تم تأجيل الموعد بسبب مشكلة تقنية، ولم تستطع أخذ أول رخصة، إلا أنّ الرخصة الأولى التي تم إصدارها في جدة بقت في العائلة وكانت من نصيب والدتها هالة علي رضا التي كان تليها تماماً في الدور، “وكأن القدر قد كتب لوالدتي أن تكون صاحبة أول رخصة في جدة، إذ أنّ والدها كان صاحب أول وكالة للسيارات في المملكة، الحاج حسين علي رضا وشركاه المحدودة”. وبعد عدة أيام أخذت دانية رخصتها لتكون من أول عشر سيدات يحصلنّ على رخصة القيادة في جدة.


تشارك دانية في شهر يناير برالي داكار العالمي، وبدأت استعدادتها بالتمارين الرياضية وتلقي دروس في كيفية القيادة في الصحراء “لكي أعتاد على القيادة على الأرضية السعودية”. تشهد البطولة منافسات بين عدد من السيدات، وترى دانية أنّ هذا قد يلعب دوراً في تخفيف الضغوطات عليها، “لكنني في آخر المطاف سأقود حسب قدراتي وسألتزم بالحدود التي وضعتها لنفسي. الأساس هو تجنّب التفكير في أي عوامل خارجية والتركيز على نفسي وإمكانياتي”.