قد لا يكون الطب والأطباء أول ما يتبادر إلى أذهانكم عند التفكير بالإبداع والمبدعين. لكن الأمر يختلف مع أحمد ماطر، الطبيب الذي اتخذ الفنّ مساراً له مستبدلاً سماعة الطبيب بفرشاة الرسم.
تستضيف مساحة “لكم” الفنيّة العصرية والمتعددة الوظائف، أول معرض فني لها ولأحمد ماطر، تحت اسم “مآلات: 1979 – 2019”، والذي يستعرض تاريخ المملكة العربية السعودية بطريقة خاصة.
انتظرت الرياض لوقتٍ طويل قبل أن ترى أعمال أحمد ماطر في معرضٍ خاص به. يقول أحمد: “لا وقت أفضل من الفترة الحالية لإقامة معرضي الخاص الأول ضمن مساحة فنية بإدارة سعودية، إذ نعيش الآن لحظة مهمة من الاحتفاء بالفن السعودي. إن مساحة لكم الفنية هي أكثر من مجرد صالة عرض، حيث تتمثل مهمتها بتسليط الضوء على الأعمال الفنية من المملكة والمنطقة ودعمها والترويج لها”.
لم يبدأ أحمد ماطر بمسيرته الفنية على نحوٍ تقليدي. كان والده رقيباً في الجيش السعودي وكانت كلّ الظروف من حوله تشجعه كي يختار مهنة كالمحاماة أو الهندسة أو الطب أو أن يلتحق بالجيش. يتذكر قائلاً: “خلال دراستي الطب شدتني كثيراً الرسومات التشريحية وطورت شغفاً عميقاً بالطب النفسي. عشت في صراع بين ممارسة الطب وحبي للفن. شعرت أنّ الفن هو ما يستطيع تغيير الحياة والعالم واستمتعت كثيراً بالانخراط في القضايا الاجتماعية. “لطالما كانت مراقبة أحد أفراد الأسرة وهو يحدق في صور الأشعة السينية ويحاول معرفة ما يحتويه جسم الإنسان بكامل الاندهاش والمفاجأة أمراً ممتعاً بالنسبة لي. هذا الشعور بالمفاجأة هو ما أشعر به تماماً عند النظر إلى عمل فني”.
يعدّ الطب مصدر إلهام للكثير من أعماله الفنية، حيث لديه عين الطبيب الشرعي بالنسبة للانتباه إلى التفاصيل، كما أنّ أشهر لوحاته تدخل فيها صور من الأشعة السينية. أمّا بالنسبة إلى معرض مآلات: 1979 – 2019، فيبحث في موضوعات متنوعة لهذه الفترة الزمنية من خلال الصور الفوتوغرافية والتركيبات الفنية والفيديوهات والورق ويعرض نقداً مؤسسياً متسلسلٌ زمنياً لأربعة عقود من الإعلام الجديد والممارسات التي صورتها الأعمال القديمة والجديدة، بما في ذلك أشرطة الكاسيت وأشرطة الفيديو والتلفزيونات وصور كاميرات المراقبة ووسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق الرحلة من التكنولوجيا التماثليّة وحتى العصر الرقمي.
بينما تخلّص معظمنا من أشرطة الكاسيت القديمة، علم أحمد أنها ستكون مفيدة يوماً ما. يقول: “كانت فكرة هذا المعرض تدور في خاطري لبعض الوقت، وشعرت أنّ لدي الآن ما يكفي من المواد لعرضها في معرض. تتضمن المعروضات مواداً فنية وأدلة حية، بالإضافة إلى معالم من أرشيفي الشخصي كالمقالات والإصدارات والرسومات والملحوظات، من عام 1979 حتّى عام 2019”.
وكان أحمد أول فنان يقوم بتوثيق التغيرات عام 2010 وتحديداً توثيق مدينة مكة المكرمة الذي ركّز على أنماط الهجرة فيها وتضاريسها وبذلك أضفى عدسةً أخرى للنظر في الديناميكيات الجيوسياسية والمكانية للمدينة من زاوية فنية مفاهيمية مادية وجيوسياسية. يقول: “بعد سنواتٍ من البحث والاستكشاف والتحقيق، يأتي هذا المعرض حصيلةَ أربعين عاماً لتاريخٍ له مكانةٌ أثيرةٌ في قلبي ومهنتي الفنيّة” .
وكان أحمد قد تعاون مع رسامٍ مختص بفن التذهيب العثماني الإسلامي، للعمل على سلسلة من الرسومات المستلهمة من المنمنمات في كتاب القصص الأخلاقي كليلة ودمنة الذي اشتهر في القرن الثامن خلال العصر العباسي. وبهذه الأعمال، استبدل أحمد استبدل صور الحيوانات في المنمنمات الأصلية بصورٍ لأشعة سينية، بالإضافةِ إلى صورٍ لطائرات الدرون والكاميرات التي استلهمها من الأحداث الجيوسياسية الأخيرة والمراقبة السيبرانية. يشرح قائلاً: “يسلط المعرض الضوء على الكثير من الحقائق المخفية من خلال مزيج من الحكايات والحقائق والخيال والأساطير”.
يرى أحمد الرياض كعاصمة للثقافة، ويقول: “أركز على تطوير الاستوديو الخاص بي هنا في الرياض، والتي أصبحت مركزاً رائداً لمجتمع الفنانين مع افتتاح حي جاكس الجديد”. يضيف قائلاً: “نعيش فترة ذهبية بحق، ومن الرائع أن نستضيف معرض بينالي الدرعية، الذي يعدّ فرصة مثالية لتسليط الضوء على جميع المواهب القوية والفريدة والفنية في المملكة العربية السعودية.
“استقبلنا الزوار من كافة أرجاء العالم ونجحنا بوضع السعودية على الخارطة الفنية العالمية. نأمل أن يؤدي هذا إلى تعزيز المشاريع الحكومية وتطوير الحركات الفنية الشعبية”.
بعد صور الأشعة السينية والرحلة عبر تاريخ المملكة العربية السعودية، ماذا على الزوار توقعه عند زيارة المعرض؟ يجيب أحمد: “أتمنى أن يشجع الناس على التفكير في كيفية تأثير الشبكة المعقدة من الأحداث الثقافية والسياسية والاجتماعية على حياتنا المعاصرة
في المملكة العربية السعودية خلال تلك السنوات”.
لغاية 8 فبراير. طريق العروبة الفرعي، (instagram.com/lakumartspace (920012083).