شهدت العاصمة السعودية في العام الماضي افتتاح بوليفارد رياض سيتي، وهي منطقة جديدة للفنون والترفيه تضم لوحة جدارية لفتاة تبتسم بشكل غامض مع شعرٍ من أزهار بنفسجية حقيقية.
وسرعان ما أصبحت الجدارية الجميلة علامةً مميزة لبوليفارد رياض سيتي وانتشرت صورها بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتحمل الجدارية توقيع الرائدة في فن الشارع نوره بنت سعيدان التي رسمت لمنطقة البوليفارد ما يزيد عن 16 لوحة جدارية أخرى، لكن جدارية الفتاة ذات الشعر البنفسجي أصبحت المفضلة لدى الزوار الذين يصورونها يومياً.
وتتحدث نوره عن هذه الجدارية بقولها: “أصبحت الجدارية علامةً مميزة للمنطقة، إذ ترتبط صور الزوار لها بتواجدهم في البوليفارد”.
وتعمل عائلة بنت سعيدان في قطاع العقارات، المجال الذي لم يتوافق مع مسار نوره الإبداعي. وتعليقاً على هذا الموضوع، أوضحت نوره: “لم أشعر أن العمل في ذلك المجال يناسبني، فأنا لا أحب الحسابات والأرقام بل أفضّل أن أكون حرة في العمل. وكان الرسم في طفولتي يشعرني بالاختلاف، فالفن هو المجال الوحيد الذي أبدعت فيه، إذ لم أكن طالبة متفوقة في المدرسة لكنني كنت دائماً الأفضل في صفوف الفن والرسم. كما لاحظت اختلاف ردود أفعال الأشخاص تجاهي عندما يرون أعمالي، وكان ذلك بداية علاقتي الوثيقة بالفن”.
وتتجسد علاقة بنت سعيدان الوطيدة بالفن في أعمالها التي تزين شوارع المملكة السعودية والمدن العالمية مثل لندن وبرشلونة، حيث يجتمع حولها المارة ليراقبوا سير العملية الفنية المدهشة. ولا تقتصر مساعي نوره الفنية، منذ بدايتها عام 2010، على تزيين شوارع الرياض بالألوان الحيوية فحسب، إنما تهدف إلى تمثيل وطنها بأعين الفن.
وفي هذا الإطار، قالت نوره: “بصفتي فنانةً سعودية، فإن من واجبي أن أعكس ثقافتنا بصورةٍ عصرية. عندما كنت أرسم في مهرجان مدل بيست 2019، سألت بعض الزوار من المملكة المتحدة والولايات المتحدة عمّا يتمنون معرفته عن المملكة العربية السعودية، وأجابني أحدهم: “أود عند زيارتي السعودية أن أرى أعمالاً تصوّر الثياب التقليدية للنساء وتعبّر عن الفن المحلي وثقافة الشعب والمشاكل التي يواجهها، فنحن بحاجة لأن نعرف المزيد عنكم”.
وتصوّر إحدى جداريات المهرجان المرسومة بتقنية ثلاثية الأبعاد امرأة ترقص وهي ترتدي فستاناً بنقشات مميزة لاحظتها بنت سعيدان عند زيارتها منزلاً تقليدياً في أحد أحياء الرياض القديمة.
واعتبر عدد من الفنانين جدارية الرقص مرسومةً بأسلوب معاصر، لكن حروف الخط العربي والنقشات المميزة في الجدارية تدل على فنون الرقص التقليدي وتشكل جسراً لا يربط بين الزمن القديم والحديث فحسب، بل بين الثقافات العالمية أيضاً.
وبهذا الصدد، بيّنت بنت سعيدان: “يمتلك الفن صوتاً أيضاً، فهو لغة عالمية يمكن أن يفهمها الجميع بدون الحاجة للترجمة. وعندما أسافر خارج المملكة السعودية، أجد من الضروري أن أفعل شيئاً يعبر عن ثقافتي الأصلية، فأنا أعمل سفيرة لبلدي من خلال فني”.
ويطرح ما سبق سؤالاً فيما إذا أصبحت بنت سعيدان سفيرةً عالمية للفن أم ما زالت متمسكةً بفن الشارع رغم صعوباته، حيث لا ترى الفنانة السعودية أن هناك خطاً فاصلاً بين فرشاة الألوان وعلبة بخاخ الطلاء، فهي تركز اهتمامها على قدرة فن الجرافيتي على الوصول إلى فئات واسعة.
وأضافت نوره: “بدأت مسيرتي الفنية بالعمل بالألوان الزيتية وما زلت أستخدمها. وتتطلب رؤية اللوحات العادية زيارة معرض قد لا يتسع لأكثر من مئتي شخص، أما أنا فأستهدف الجميع، الكبار والصغار والسعوديين وغير السعوديين والسياح وغيرهم”.
ومثل أعمالها التي تزين فعاليات موسم الرياض أو رسومات الجرافيتي ثلاثية الأبعاد في مهرجان مدل بيست، فإن طموح بنت سعيدان لا يملك حدوداً، ما يجعلها خياراً مثالياً لمشروع نيوم الجديد، وهي المدينة الناشئة التي اختارتها لتكون ضمن المبدعين الشباب في حملة أنا التغيير.
وأشارت بنت سعيدان: “اختار مشروع نيوم أشخاصاً مؤثرين يعملون على تغيير المسارات في مجالاتهم المختلفة، إذ يضم فريقي سيدة أعمال ورياضية أولمبية حائزة على ميدالية فضية في الملاكمة”.
كما تقدم مدينة نيوم لنوره الموقع المثالي الذي حلمت به لسنوات، موضحةً: “طُلب مني الرسم على جدران أنفاق نيوم، الأمر الذي يُعدّ حلماً بالنسبة لفنان الجرافيتي، ورسمت بالفعل على جدران نفقَين في المدينة”.
وفيما يتعلق بمستقبلها المهني، أفادت بنت سعيدان: “أنجزت العديد من الأعمال الفنية، لكن أريد القيام بشيء أكثر تأثيراً بعد الحصول على الترخيصات المطلوبة، لأن شخصيتي اليوم تختلف عن شخصيتي منذ سنتين. وكلّ ما أفكر به اليوم هو سبل توسيع نطاق فني”.
