Posted inأفلام ومسلسلاتثقافةمواضيع

تاريخ السينما في السعودية: من أول فيلم إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي

بعد إعادة افتتاح دور العرض في المملكة، بدانا نشهد حماساً غير مسبوق تجاه الأفلام المستقلة والعروض الفريدة من نوعها، وهو ما يمهد لانتعاش كبير في قطاع السينما في المملكة. حيث تستعد السعودية للعب دور البطولة في قطاع السينما بعد عقود طويلة من لعب الأدوار الثانوية.

تعتبر ضواحي الرياض غير المعروفة مكاناً مستبعداً لصنع التاريخ، لكن أي زائر لهذه الأحياء المحافظة قبل عقدٍ من الآن ربما قد شهد عملية تصوير قصة بسيطة عن فتاةٍ بعمر عشر سنوات تحلم باقتناء دراجة.

نتحدث عن فيلم وجدة من إخراج وكتابة هيفاء المنصور الذي تم عرضه عام 2012 وحصد نجاحاً عالمياً منقطع النظير. وهذا النجاح ليش بالشائع بالنسبة لفيلم من العالم العربي، ناهيكم عن أنّه أول فيلم تم تصويره بشكلٍ كامل في المملكة العربية السعودية، وإخراجه من قبل مخرجة مع طاقمٍ أغلب أفراده من العرب.

تطلّب الأمر من هيفاء منصور خمسة سنوات للحصول على التمويل اللازم وتصاريح التصوير، لكنّها أرادت صنع فيلمٍ عن الحياة في السعودية، ولهذا فقط شوارع الرياض كانت تفي بالغرض، حتى لو لم يكن هنالك دور سينما في المدينة لعرض فيلمها في ذلك الوقت. وبالحقيقة، عندما تم اختيار فيلم وجدة ضمن الترشيحات الأولية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية لعام 2013، تم عرضه في السفارات ليتم التأكد من أنّه يستوفي معايير الأكاديمية. ورغم أنّه فشل في الدخول إلى القائمة الأخيرة في ترشيحات الأوسكار، لكنّه كان أول فيلم سعودي يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة في أهم محفل سينمائي على مستوى العالم.

وعلى الرغم من أن إعادة افتتاح دور السينما تمت في عام 2018، إلا أن النجاحات التي حققتها هيفاء المنصور فاقت جميع التوقعات. تعتبر المملكة العربية السعودية سوقاً أساسياً في الشرق الأوسط بالنسبة للأفلام والسينما، وتدفق السعوديون إلى دور العرض لمشاهدة كلّ شيء من الأفلام العالمية إلى الدراما المحلية والأعمال المصرية الكوميدية. يعيش قطاع السينما ازدهاراً غير مسبوق، مع دعمٍ كبير من كافة الجهات، ابتداءً من صندوق البحر الأحمر وصولاً إلى مساعي الدولة إلى جذب الإنتاجات الدولية إلى المملكة.

كيف حصل هذا التحوّل الكبير وبهذه السرعة الكبيرة؟ يكمن جزء من الإجابة في التعداد السكاني الشاب في المملكة، حيث أكثر من 70 بالمائة من عدد السكان هو من الشباب الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر. وأيضاً يعود ذلك بسبب تراث المملكة السينمائي الغني والعريق، والذي تلاشى في العقود الماضية بعد أوج عطائه.

ماضي من السينما

لم يبدأ حب السعوديين للسينما في عام 2012، أو حتّى في عام 2006 مع وثائقي السينما 500 كم من إخراج عبدالله آل عياف، الذي سلط الضوء على قضية منع دور العرض السينمائية في المملكة العربية السعودية وسبب الكثير من علامات الاستفهام حول الموضوع. بل بشكلٍ مفاجئ، كان النفط هو ما جلب السينما الفضية إلى البلاد، حيث كان العمال الأمريكيون والأوروبيون في الثلاثينات من القرن الماضي يقضون أمسياتهم وهم يشاهدون أفلام فريد أستير وجيمس كاغني.


لسنواتٍ طويلة، اقتصر إنتاج الأفلام في السعودية على الأعمال الوثائقية من قبل شركات النفط الأجنبية، لكن في نهاية المطاف أصبحت الأفلام الوثائقية الصيغة التي برع بالقيام بها صانعو الأفلام السعوديون، نذكر منها فيلم اغتيال مدينة للمخرج عبدالله المحيسن عام 1977 الذي تناول موضوع الحرب الأهلية اللبنانية، وما تعرضت له مدينة بيروت نتيجة لتلك الحرب.


خلال السبعينات من القرن الماضي كان هنالك 30 دور سينما في المملكة، موزعة ضمن السفارات والأندية الرياضية وغيرها من الأماكن التي اعتاد السعوديون زيارتها لمشاهدة الأفلام في الأمسيات. في الرياض، اعتاد السكان التجمّع في عطل نهاية الأسبوع في حي المربّع لشرب الشاي والتدخين ومشاهدة أهم الأفلام من الأعمال الأمريكية التشويقية إلى الكوميديا العربية.


لكن قرار إغلاق دور السينما في الثمانينات من القرن الماضي قد كسر هذا الرابط بين الحضور وصانعي الأفلام، والذي كان يدفع الأطفال الجالسين في المقاعد البسيطة للحلم بالقيام بدورٍ مشابه لما يشاهدونه على الشاشة. والنتيجة كانت عدم قدرة السعودية وعدم رغبتها في الكثير من السنوات على عرض ما يعبر عنها على الشاشة الكبيرة.

صورة غير دقيقة

لورنس العرب

تعرّف العالم الغربي على المملكة العربية السعودية من فيلم لورنس العرب من إخراج ديفيد لين عام 1962. سماء صافية وحرارة عالية وقبائل نبيلة ومعارك بطولية: كانت اللحظة العربية الكبيرة على المسرح العالمي، من إخراج بريطاني ومن تمثيل إيرلندي ومكسيكي ومصري. والتصوير كان في المغرب ومصر. والمشهد كان آسراً، عربياً وهوليوودياً في الوقت ذاته.

وجسد في فيلم لورنس العرب الأدوار العربية بمنتهى الإتقان، حيث لعب الممثل المصري الشهير عمر الشريف دور الشريف علي، وظهر بنفس القدر الذي ظهر فيه بكل الفيلم بيتر أوتول.
تبع هذا الفيلم ظهور شخصيات عربية في عدة أفلام في الثمانينات مثل ترو لايز والعودة إلى المستقبل وكانونبول رن. كما عمدت عدة أفلام غربية إلى تصوير العرب بلباسهم التقليدي وشكلهم المميز مثل فيلم الخوف يقتل الروح للمخرج الألماني راينر فيرنر فاسبيندر.

ولم يسلم أيضاً صانعو الأفلام العرب من التعميم المبهرج، كما وجدت المخرجة السعودية هيفاء المنصور: “من المهم منح الجمهور النسائي شخصيات ملهمة، شخصيات ليست بالضرورة أن تكون ضحية بل على العكس تماماً، أن تكون شخصية منتصرة”. أضافت مخرجة فيلم وجدة في عام 2013: “وجد الناس في الشرق الأوسط صعوبة في تصديق قصة نجاح فيلمٍ بسيط عن فتاة تحلم باقتناء دراجة في المملكة العربية السعودية. بالنسبة لهم، إن أردت تسليط الضوء على قضايا وحقوق المرأة، عليك أن تتحدث عن امرأة تتعرض للتعذيب والاغتصاب”.

والطريقة الأنجح لتمثيل شخصيات عربية واقعية على شاشات السينما هي من خلال جذب اهتمام الجمهور لرؤية صورة حقيقة عن أنفسهم. وهذا بالضبط ما يحدث منذ أن تم عرض فيلم النمر الأسود في السعودية عام 2018 كأول فيلم يتم عرضه بعد إعادة فتح دور السينما.


سرعة تحوّل هائلة

حي جميل

تعيش ثقافة السينما والمشهد السينمائي في المملكة فترة مزدهرة تبدو أنّها ستدوم طويلاً. ويظهر نجاح فوكس سينما، سلسلة السينما الإماراتية الأكبر في المملكة، مع 12 دور عرض في خمس مدن، أنّ هنالك سوقاً كبيراً بالتوجّه إلى الشباب المتعطشين إلى مشاهدة الأفلام على اختلاف أنواعها. وفي عام 2020، على الرغم من كافة ظروفه الاستثنائية، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى ضمن أسواق الصالات السينمائية في الشرق الأوسط بحسب الإحصاءات التي قامت بها مجلة فاريتي الأمريكية.
يقول محمد الهاشمي، الرئيسي الإقليمي في ماجد الفطيم للتسلية والترفيه والسينما في السعودية: “بالنظر إلى الإحصاءات الحالية والإقبال الهائل على دور السينما من قبل الجمهور السعودي، يبدو أنّ المملكة ستكون من ضمن أهم عشرة أسواق عالمية للسينما في السنوات الثلاثة المقبلة”. ويضيف قائلاً: “يرغب محبو السينما بعيش هذه التجربة الانتقائية والمميزة التي يمنحها مشاهدة فيلم على الشاشة الكبيرة”.

في حين أنها نعمة لعشاق السينما والصناعة على حد سواء أن يكون هنالك سلسلة سينما بهذا الحجم تعرض آخر الإصدارات وتفتتح دور العرض الواحدة تلو الأخرى، هنالك أيضاً بوادر إيجابية ومشجعة حول ازدهار الجانب الفني من الصناعة أيضاً.

تفتتح جدة هذا العام سينما حي، ضمن المجمع الفني الجديد حي جميل من مؤسسة فن جميل في منطقة المحمدية. وتكمن أهمية هذه السينما بأنّها أول دار سينما مستقلة في المملكة، من تصميم بريك لاب، استوديو التصميم المعماري في جدة. وتعتزم هذه السينما التي تتسع لحوالي 165 شخص تسليط الضوء على المواهب المحلية وتشجعيها وتقديم منصة للتعبير عن إبداعاتها، ولديها القدرة على إطلاق مشاريع مبشرة للسينما المحلية.

تقول سارة العمران، نائبة مدير فن جميل: “سينما حي هي أول دار سينما مستقلة في المملكة، وتكمن مهمتها الأساسية في تزويد صانعي الأفلام السعوديين منصة للتعلم والبحث والتواصل مع غيرهم من المبدعين. نهدف إلى تطوير ما تستطيع السينما القيام به عبر تقديم العديد من ورش العمل والبرامج والدروس التي تعمل على تطوير لغة الأفلام والسينما بين الشباب”.

ودليل آخر على التطور الكبير الذي يعيشه قطاع السينما في المملكة العربية السعودية منذ عام 2018 سيظهر بكلّ وضوح أمام العالم أجمع هذا الشهر في جدة، مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي. إذ تعرض دورته الافتتاحية هذا العام أكثر من 100 فيلم من 67 دولة، منها 27 فيلم من إنتاج سعودي.
يقول محمد التركي رئيس لجنة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي: “ يمثّل المهرجان منصة لدعم وإطلاق الجيل الجديد من المواهب السعودية والعربية، حيث نواصل دعم هذا الحراك السينمائي وتحويله إلى صناعة قوية مزدهرة” ويصفه بأنّه “لحظة انتظرناها طويلاً”.

وأحد العوامل الأساسية في هذا النجاح والازدهار في المشهد السينمائي المحلي هو صندوق البحر الأحمر، الذي تم إطلاقه لتوفير الدعم للمشاريع السينمائية وتقديم التمويل الذي تحتاجه، مع منح تصل إلى 500 ألف دولار لكل مشروع يتم الموافقة عليه. تعدّ الكلمات الجميلة حول رعاية الإبداع عملة شائعة في صناعة الأفلام، لكن هنا يتم مقابلتها أيضاً بالعملة المفضلة في هذه الصناعة – الأموال النقدية. وتظهر المجموعة الحالية من صانعي الأفلام أنه لا يوجد نقص في المواهب للاستثمار فيها.

ازدهار صناعة الأفلام

بركة يقابل بركة

تعود المخرجة السعودية هيفاء المنصور مع فيلم المرشحة المثالية الذي يتحدى الصورة النمطية عن المرأة في السعودية، لكن الظروف مختلفة هذه المرة، إذ تضاعف عدد المخرجين وصانعي الأفلام السعوديين أضعافاً مضاعفة منذ إطلاق فيلمها الأول عام 2012. ومن أهم الأفلام السعودية هو فيلم المخرج محمود صباغ، بركة يقابل بركة، الذي تم إطلاقه عام 2016، وهو أول فيلم سعودي يرشّح لجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار.


ومن الأفلام المميزة أيضاً، فيلم شمس المعارف للمخرج فارس قدس، الذي يحكي قصة شبان سعوديين يغير الإنترنت حياتهم، بالتزامن مع ذروة صناعة المحتوى السعودي على الإنترنت عام 2010. وتدور الأحداث حول طالب يشرف على التخرج من الثانوية، تدفعه رغبة في ركوب موجة صناعة المحتوى، إلى خوض مغامرة تتسبب في إهمال دراسته.


وكان لليوتيوب دور كبير في النجاح الكبير الذي حققته شركة تلفاز11، التي تتخصص بتقديم محتوى ترفيهي محلي في منطقة الشرق الأوسط. وكان إطلاق سلسلة الأفلام القصيرة ستة شبابيك في الصحراء، علامة فارقة في المشهد الترفيهي المحلي والرغبة الجديدة بتسليط الضوء على المواضيع الاجتماعية المثيرة للجدل. ومن هذه الأفلام، فيلم وسطي، المبني على أحداث واقعية حدثت في مدينة الرياض قبل عشر سنوات، عندما تم اقتحام المسرح خلال عرض لمسرحية “وسطي بلا وسطية” من قبل مجموعة من المتشددين لإيقاف العرض وتحولت الحادثة إلى قضية رأي عام.


ومن اختياراتنا أيضاً، فيلم الفتيات اللواتي حرقن الليل للمخرجة السعودية سارة مسفر ومن إنتاج مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي حصل على تنويه خاص في مهرجان بالم سبرينغز السينمائي. وسيتم عرضه للمرة الأولى في الخليج في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي هذا الشهر في جدة.
كما ينتظر الجميع فيلم أربعة أوجه للعاصفة، من إخراج حسام الخلوة وإنتاج محمد الحمود، والذي تدور أحداثه في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كانت المملكة الناشئة حديثاً تستعد لاستقبال أوائل البعثات الأمريكية للتنقيب عن النفط.


من ناحية أخرى، يستحق فيلم سيدة البحر للمخرجة السعودية شهد أمين تنويهاً خاصاً. تدور الأحداث في قرية صيد فقيرة يتم التضحية فيها بالفتيات لمخلوقات البحر. تم تصوير الفيلم في الإمارات العربية المتحدة، وهذه عادة يجب أن تعمل المملكة على تغييرها إن أرادت أن تكون مركزاً لإنتاج الأفلام.
لا تبدو فكرة تحويل المملكة إلى هوليوود الشرق الأوسط بعيدة المنال، لكن هنالك رغبة أكبر بوضع أسس لصناعة أفلام متنوعة بجاذبية عالمية.


هنالك عدد متزايد من المشاريع العالمية التي يتم تصويرها في السعودية، من ضمنها فيلم الرعب تشيلو من بطولة جيريمي أيرونز، وفيلم قندهار من بطولة جيرارد باتلر، الذي يتم تصويره في منطقة العلا الرائعة، التي تسجّل نفسها كوجهة رائدة للاستديوهات الدولية لطبيعتها الخلابة ومواقعها التاريخية.
يقول مفوض إدارة الأفلام في الهيئة الملكية لمحافظة العلا ستيفن ستراشان: “إنّ التنوّع في المواقع الرائعة والمشاهد الطبيعية الاستثنائية كافياً لجذب صناع الأفلام”. ويضيف قائلاً: “تشهد المنطقة استثمارات كبيرة في تطوير البنية التحتية اللازمة لانتاج الأفلام، لجعل تجربة التصوير في العلا مريحة وسلسة قدر الإمكان”.

يدرك ستيفن أنّ على الجيل الجديد من صناع الأفلام بناء مستقبلهم الخاص: “ تسعى صناعة السينما السعودية إلى النهوض بأكبر عدد ممكن من صانعي الأفلام الشباب المحليين”.

في النهاية، سيتم قياس مدى النجاح والتقدّم عبر الأفلام التي سيتم صنعها وتقديمها، والتي بدأت العقد الماضي مع قصة فتاة صغيرة ودراجتها الهوائية الخضراء.

يُقام مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة من 6 ديسمبر لغاية 15 ديسمبر. للمزيد من المعلومات: redseafilmfest.com